فصل: باب ما يحدث الرجل في الطريق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.باب ما يحدث الرجل في الطريق:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَإِذَا وَضَعَ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ حَجَرًا أَوْ بَنَى فِيهِ بِنَاءً أَوْ أَخْرَجَ مِنْ حَائِطِهِ جِذْعًا أَوْ صَخْرَةً شَاخِصَةً فِي الطَّرِيقِ أَوْ أَشْرَعَ كَنِيفًا أَوْ حِيَاضًا أَوْ مِيزَابًا أَوْ وَضَعَ فِي الطَّرِيقِ جِذْعًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ لِهَلَاكِ مَا تَلِفَ بِمَا أَحْدَثَهُ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسَبُّبِ فَإِنَّهُ أَحْدَثَ فِي الطَّرِيقِ مَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَارَّةُ أَوْ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي هُوَ حَقُّهُمْ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ لِصِيَانَةِ دَمِ الْمُتْلِفِ عَنْ الْهَدَرِ فَإِذَا أَمْكَنَ إيجَابُهُ عَلَى الْمُسَبِّبِ لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا فِي تَسْبِيبِهِ نُوجِبُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاتِلًا فِي الْحَقِيقَةِ حَتَّى لَا تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَنَا وَلَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمَّا جُعِلَ التَّسَبُّبُ كَالْمُبَاشَرَةِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْكَفَّارَةِ وَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْكَفَّارَةُ وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ جَزَاءُ قَتْلٍ مَحْظُورٍ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي التَّسَبُّبِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ أَنْ يُجْعَلَ قَاتِلًا بِإِحْدَاثِ ذَلِكَ وَلَا مَقْتُولًا عِنْدَ إحْدَاثِهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ قَاتِلًا عِنْدَ الْإِصَابَةِ فَلَعَلَّ الْمُحْدِثَ مَيِّتٌ عِنْدَ الْإِصَابَةِ وَكَيْفَ يَكُونُ الْمَيِّتُ قَاتِلًا؟.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَكُونُ إلَّا بِفِعْلِ الْقَاتِلِ وَالْقَتْلُ نَوْعَانِ: عَمْدٌ وَخَطَأٌ فَفِي كُلِّ مَا يُتَصَوَّرُ الْعَمْدُ فِي جِنْسِهِ يُتَصَوَّرُ الْخَطَأِ أَيْضًا وَالْقَتْلُ الْعَمْدُ بِهَذَا الطَّرِيقِ لَا يَتَحَقَّقُ فَكَذَلِكَ الْخَطَأُ وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ بِاعْتِبَارِ تَوَهُّمِ الْقَصْدِ إلَى اسْتِعْجَالِ الْمِيرَاثِ وَذَلِكَ فِي الْعَمْدِ لَا يُشْكِلُ وَفِي الْخَطَأِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخَطَأُ أَظْهَرَ مِنْ نَفْسِهِ وَهُوَ قَاصِدٌ إلَى ذَلِكَ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ: الْكَفَّارَةُ وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ جَزَاءُ قَتْلٍ مَحْظُورٍ وَفِعْلُ الصَّبِيِّ لَا يُوصَفُ بِذَلِكَ فَالْخَطَأُ شَرْعًا يُبْنَى عَلَى الْخِطَابِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُثْبِتُ الْكَفَّارَةَ وَحِرْمَانَ الْمِيرَاثِ فِي حَقِّهِمَا كَمَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ وَعَلَى هَذَا قُلْنَا: إذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَى مُورِثِهِ بِالْقِصَاصِ لَمْ يُحْرَمْ الْمِيرَاثُ وَإِنْ رَجَعُوا لَا تَلْزَمُهُمْ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ جَزَاءُ فِعْلٍ مَحْظُورٍ وَالْقَاضِي بِقَضَائِهِ لَا يَصِيرُ قَاتِلًا وَكَذَلِكَ شُهُودُ الْقِصَاصِ لَا يُحْرَمُونَ الْمِيرَاثَ وَإِنْ رَجَعُوا لَا تَلْزَمُهُمْ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ جَزَاءُ قَتْلٍ مَحْظُورٍ وَهُمْ بِالشَّهَادَةِ مَا صَارُوا قَاتِلِينَ مُبَاشَرَةً فَإِنْ عَثَرَ بِمَا أَحْدَثَهُ فِي الطَّرِيقِ رَجُلٌ فَوَقَعَ عَلَى آخَرَ فَمَاتَا فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي أَحْدَثَهُ فِي الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّافِعِ لِمَنْ يَعْثُرُ بِمَا أَحْدَثَهُ فَكَأَنَّهُ دَفَعَهُ بِيَدِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي عَثَرَ بِهِ لِأَنَّهُ مَدْفُوعٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْمَدْفُوعُ كَالْآلَةِ وَإِذَا نَحَّى رَجُلٌ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَنْ مَوْضِعِهِ فَعَطِبَ بِهِ آخَرُ فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي نَحَّاهُ وَقَدْ خَرَجَ الْأَوَّلُ مِنْ الضَّمَانِ لِأَنَّ حُكْمَ فِعْلِهِ قَدْ انْفَسَخَ بِفَرَاغِ الْمَوْضِعِ الَّذِي شَغَلَهُ بِمَا أَحْدَثَ فِيهِ وَإِنَّمَا شُغِلَ بِفِعْلِ الثَّانِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَهُوَ كَالْمُحْدِثِ لِذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِلْقَاءُ التُّرَابِ فِي الطَّرِيقِ وَاِتِّخَاذُ الطِّينِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ إلْقَاءِ الْحَجَرِ وَالْخَشَبَةِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَنَسَ الطَّرِيقَ فَعَطِبَ بِمَوْضِعٍ كَنَسَهُ إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِي الطَّرِيقِ شَيْئًا إنَّمَا كَنَسَ الطَّرِيقَ لِكَيْ لَا يَتَضَرَّرَ بِهِ الْمَارَّةُ وَلَا يُؤْذِيَهُمْ التُّرَابُ فَلَا يَكُونُ هَذَا مُتَعَدِّيًا فِي هَذَا السَّبَبِ.
وَلَوْ رَشَّ الطَّرِيقَ أَوْ تَوَضَّأَ فِي الطَّرِيقِ فَعَطِبَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ إنْسَانٌ فَهُوَ ضَامِنٌ لِأَنَّ مَا أَحْدَثَ فِي الطَّرِيقِ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ يُلْحِقُ الضَّرَرَ بِالْمَارَّةِ وَيَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُرُورِ مَخَافَةَ أَنْ تَزِلَّ أَقْدَامُهُمْ وَهَذَا كُلُّهُ فِي طَرِيقٍ هُوَ لِلْعَامَّةِ فَإِنْ كَانَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَاَلَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ السِّكَّةِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ شَرِكَةً خَاصَّةً وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَحَدَ الشُّرَكَاءِ إذَا أَحْدَثَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا.
وَإِذَا أَشْرَع الرَّجُلُ جَنَاحًا إلَى الطَّرِيقِ ثُمَّ بَاعَ الدَّارَ فَأَصَابَ الْجَنَاحُ رَجُلًا فَقَتَلَهُ فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهُ كَانَ جَانِيًا بِوَضْعِ الْجَنَاحِ فَإِنَّ سِوَاءَ الطَّرِيقِ كَرَقَبَةِ الطَّرِيقِ فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهِ شَيْئًا يَكُونُ جَانِيًا وَبِالْبَيْعِ لَمْ يُنْسَخْ حُكْمُ فِعْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْزِعْ الْمَوْضِعَ الَّذِي شَغَلَهُ بِمَا أَحْدَثَهُ فَبَقِيَ ضَامِنًا عَلَى حَالِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ الْجَنَاحَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ كَانَ ضَامِنًا لِمَا تَلِفَ بِهِ فَلَمَّا كَانَ عَدَمُ الْمِلْكِ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ سَبَبِ الضَّمَانِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مَا أَحْدَثَ فِي الطَّرِيقِ شَيْئًا وَكَذَلِكَ الْمِيزَابُ فَإِنْ سَقَطَ الْمِيزَابُ يُصْرَفَانِ فَإِنْ أَصَابَ مَا كَانَ مِنْهُ فِي الْحَائِطِ رَجُلًا فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَضَعَ ذَلِكَ الطَّرَفَ مِنْ الْمِيزَابِ فِي مِلْكِهِ وَإِحْدَاثُ شَيْءٍ فِي مِلْكِهِ لَا يَكُونُ تَعَدِّيًا وَإِنْ أَصَابَهُ مَا كَانَ خَارِجًا مِنْهُ مِنْ الْحَائِطِ فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي وَضَعَهُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ الطَّرَفِ فَإِنَّهُ شَغَلَ بِهِ هَوَاءَ الطَّرِيقِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَيَّهمَا أَصَابَهُ فَفِي الْقِيَاسِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَصَابَهُ الطَّرَفُ الدَّاخِلُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا وَإِنْ أَصَابَهُ الطَّرَفُ الْخَارِجُ فَهُوَ ضَامِنٌ وَالضَّمَانُ بِالشَّكِّ لَا يَجِبُ لِأَنَّ فَرَاغَ ذِمَّتِهِ ثَابِتٌ يَقِينًا وَفِي الْإِشْغَالِ شَكٌّ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هُوَ ضَامِنٌ لِلنِّصْفِ لِأَنَّهُ فِي حَالٍ هُوَ ضَامِنٌ لِلْكُلِّ وَفِي حَالٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَيَتَوَزَّعُ الضَّمَانُ عَلَى الْأَحْوَالِ لِيَتَحَقَّقَ بِهِ مَعْنَى النَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.
وَإِذَا اسْتَأْجَرَ رَبُّ الدَّارِ الْفَعَلَةَ لِإِخْرَاجِ الْجَنَاحِ أَوْ الظُّلَّةِ فَوَقَعَ فَقَتَلَ إنْسَانًا فَإِنْ سَقَطَ مِنْ عَمَلِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغُوا مِنْهُ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ دُونَ رَبِّ الدَّارِ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ لِتَقْصِيرِهِمْ فِي الْإِمْسَاكِ فَكَأَنَّهُمْ أَلْقَوْا ذَلِكَ فَيَكُونُونَ قَاتِلِينَ مُبَاشَرَةً فَلِيَلْزَمْهُمْ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَيُحْرَمُونَ الْمِيرَاثَ وَإِنْ سَقَطَ ذَلِكَ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ الْعَمَلِ فَالضَّمَانُ فِيهِ عَلَى رَبِّ الدَّارِ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ هَذَا كَالْأَوَّلِ لِأَنَّهُمْ بَاشَرُوا إحْدَاثَ ذَلِكَ فِي الطَّرِيقِ وَصَاحِبُ الدَّارِ مَمْنُوعٌ مِنْ إحْدَاثِهِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيمَا أَمَرَهُ فِي مَا لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ بِنَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ لِحَدِيثِ شُرَيْحٍ فَإِنَّهُ قَضَى بِالضَّمَانِ عَلَى مِثْلِهِ عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ لَهُ وَلِهَذَا يَسْتَوْجِبُونَ الْأَجْرَ عَلَيْهِ وَقَدْ صَارَ عَمَلُهُمْ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِالْفَرَاغِ مِنْهُ فَكَأَنَّهُ عَمِلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْفَرَاغِ فَإِنَّهُ عَمَلُهُمْ لَمْ يَصِرْ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بَعْدَ وَهَذَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْدُثُ ذَلِكَ فِي فِنَائِهِ وَيُبَاحُ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ إحْدَاثُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي فِنَائِهِ إذَا كَانَ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ غَيْرُهُ وَلَكِنْ لِكَوْنِ الْفِنَاءِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فَبِهَذَا اُعْتُبِرَ أَمْرُهُ فِي ذَلِكَ وَجُعِلَ هُوَ كَالْقَاتِلِ لِنَفْسِهِ.
وَلَوْ وَضَعَ سَاجَةً فِي الطَّرِيقِ أَوْ خَشَبَةً بَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ وَبَرِئَ إلَيْهِ مِنْهَا فَتَرَكَهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى عَطِبَ بِهَا إنْسَانٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الَّذِي وَضَعَهَا لِأَنَّهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي وَضْعِهَا فَمَا بَقِيَتْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ بَقِيَ حُكْمُ فِعْلِهِ وَكَمَا أَنَّ انْعِدَامَ مِلْكِهِ فِي الْخَشَبَةِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِوَضْعِهَا فِي الطَّرِيقِ فَكَذَلِكَ زَوَالُ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا فِي مِلْكِ قَوْمٍ أَشْرَعُوهُ فِي مِلْكِهِمْ فَلَا ضَمَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَشْرَعَهُ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ يُرْفَعُ عَنْهُ بِحِصَّةِ مَا مَلَكَهُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ أَحَدَ الشُّرَكَاءِ لَا يَمْلِكُ الْبِنَاءَ فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ بِغَيْرِ رِضَا شُرَكَائِهِ فَهُوَ جَانٍ بِاعْتِبَارِ إرْضَائِهِمْ غَيْرُ جَانٍ بِاعْتِبَارِ نَصِيبِهِ فَيَتَوَزَّعُ الضَّمَانُ عَلَى ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ فِي الْجَارِيَةِ إذَا وَطِئَهَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ وَيُرْفَعُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ حِصَّتُهُ وَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَوَضَّأَ فِيهِ أَوْ صَبَّ فِيهِ مَاءً أَوْ وَضَعَ مَتَاعًا لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ شَرْعًا فَيُسْتَحْسَنُ أَنْ لَا يَجْعَلَهُ ضَامِنًا بِهِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ.
وَإِذَا وَضَعَ فِي الطَّرِيقِ جَمْرًا فَأَحْرَقَ شَيْئًا فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي إحْدَاثِ النَّارِ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ حَرَّكَتْهُ الرِّيحُ فَذَهَبَ بِهِ إلَى مَوْضِعً آخَرَ ثُمَّ أَحْرَقَ شَيْئًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ حُكْمَ فِعْلِهِ قَدْ انْتَسَخَ بِالتَّحَوُّلِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْيَوْمُ يَوْمَ رِيحٍ فَإِنْ كَانَ رِيحًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِأَنَّهُ كَانَ عَالِمًا حِين أَلْقَاهُ أَنَّ الرِّيحَ يَذْهَبُ بِهِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ فَلَا يُنْسَخُ حُكْمُ فِعْلِهِ بِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّابَّةِ الَّتِي جَالَتْ بِرِبَاطِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.باب الحائط المائل:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ): وَإِذَا مَالَ حَائِطُ الرَّجُلِ أَوْ وَهِيَ فَوَقَعَ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ فَقَتَلَ إنْسَانًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ هُوَ تَعَدٍّ فَإِنَّهُ وَضَعَ الْبِنَاءَ فِي مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِي الْوَضْعِ وَلَا صُنْعَ لَهُ فِي مِثْلِ الْحَائِطِ وَلَكِنْ هَذَا إذَا كَانَ بِنَاءُ الْحَائِطِ مُسْتَوِيًا فَإِنْ كَانَ بَنَاهُ فِي الْأَصْلِ مَائِلًا إلَى الطَّرِيقِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَنْ يَسْقُطُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي شَغْلِ هَوَاءِ الطَّرِيقِ بِبِنَائِهِ وَهَوَاءُ الطَّرِيقِ كَأَصْلِ الطَّرِيقِ حَقُّ الْمَارَّةِ فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهِ شَيْئًا كَانَ مُتَعَدِّيًا ضَامِنًا فَأَمَّا إذَا بِنَاهٍ مُسْتَوِيًا فَإِنَّمَا شَغَلَ بِبِنَائِهِ هَوَاءَ مِلْكِهِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ تَعَدِّيًا مِنْهُ فَلَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْحَائِطِ الْمَائِلِ فَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى سَقَطَ وَأَصَابَ إنْسَانًا فَفِي الْقِيَاسِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ هُوَ تَعَدٍّ وَالْإِشْهَادُ فِعْلُ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ.
لَكِنْ اسْتَحْسَنَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إيجَابَ الضَّمَانِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ وَهَذَا لِأَنَّ هَوَاءَ الطَّرِيقِ قَدْ اُشْتُغِلَ بِحَائِطِهِ وَحِينَ قَدْ أُشْهِدَ عَلَيْهِ فَقَدْ طُولِبَ بِالتَّفْرِيغِ وَالرَّدِّ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ مَا تَمَكَّنَ مِنْهُ كَانَ ضَامِنًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ بِثَوْبٍ أَلْقَتْهُ فِي حِجْرِهِ فَطَالَبَهُ صَاحِبُهُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى هَلَكَ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْإِشْهَادِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُطَالَبْ بِالتَّفْرِيغِ فَهُوَ نَظِيرُ الثَّوْبِ إذَا هَلَكَ فِي حِجْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُطَالِبَهُ صَاحِبُهُ بِالرَّدِّ ثُمَّ لَا مُعْتَبَرَ بِالْإِشْهَادِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ فِي هَدْمِ الْحَائِطِ فَالْمُطَالَبَةُ تَتَحَقَّقُ وَيَنْعَدِمُ بِهِ مَعْنَى الْعُذْرِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الْجَهْلُ بِمَيْلِ الْحَائِطِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الْإِشْهَادَ احْتِيَاطًا حَتَّى إذَا جَحَدَ صَاحِبُ الْحَائِطِ التَّقَدُّمَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ بِمَنْزِلَةِ الشَّفِيعِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ طَلَبُ الشُّفْعَةِ وَلَكِنْ يُؤْمَرُ بِالْإِشْهَادِ عَلَى ذَلِكَ احْتِيَاطًا لِهَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا التَّقَدُّمُ إلَيْهِ يَصِحُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ شُرَكَاءُ وَالتَّقَدُّمُ إلَيْهِ صَحِيحٌ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَعِنْدَ غَيْرِ السُّلْطَانِ لِأَنَّهُ مُطَالَبَةٌ بِالتَّفْرِيغِ وَغَيْرُ مُطَالَبَةٍ فِي الطَّرِيقِ وَلِكُلِّ أَحَدٍ حَقٌّ فِي الطَّرِيقِ فَيَنْفَرِدُ بِالْمُطَالَبَةِ بِتَفْرِيغِهِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: إنَّ حَائِطَك هَذَا مَائِلٌ فَاهْدِمْهُ.
وَذَكَر عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي وَمَعَهُ رَجُلٌ فَقَالَ الرَّجُلُ: إنَّ هَذَا الْحَائِطَ لَمَائِلٌ وَهُوَ لِعَامِرٍ وَلَا يَعْلَمُ الرَّجُلُ أَنَّهُ عَامِرٌ فَقَالَ عَامِرٌ: مَا أَنْتَ بِاَلَّذِي يُفَارِقُنِي حَتَّى أَنْقُضَهُ فَبَعَثَ إلَى الْفَعَلَةِ فَنَقَضَهُ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْإِشْهَادَ بِهَذَا اللَّفْظِ يَتِمُّ وَبَعْدَ الْإِشْهَادِ إنْ تَلِفَ بِالْحَائِطِ مَالٌ فَالضَّمَانُ فِي مَالِهِ وَإِنْ تَلِفَ بِهِ نَفْسٌ فَضَمَانُ دِيَتِهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ هَذَا دُونَ الْخَطَأِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيهِ لِانْعِدَامِ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ مِنْهُ وَيَسْتَوِي إنْ شَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فِي التَّقَدُّمِ إلَيْهِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِهَذَا التَّقَدُّمِ مَا لَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَهُوَ الْمَالُ وَإِذَا بَاعَ الْحَائِطَ بَعْدَ مَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ بَرِئَ مِنْ ضَمَانِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ جَانِيًا بِتَرْكِ الْهَدْمِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ وَبِالْبَيْعِ زَالَ تَمَكُّنُهُ مِنْ هَدْمِ الْحَائِطِ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ جَانِيًا فِيهِ بِخِلَافِ الْجَنَاحِ فَهُنَاكَ كَانَ جَانِيًا بِأَصْلِ الْوَضْعِ.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ إذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ مَالِكًا لِلْحَائِطِ فَكَذَلِكَ لَا يَبْقَى حُكْمُ الْإِشْهَادِ بَعْدَ- زَوَالِ مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْجَنَاحِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْحَائِطِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَيْهِ فِي هَدْمِهِ فَحَالُهُ كَحَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ فِيهِ فَإِنْ شَهِدَ الْمُشْتَرِي فِي الْحَائِطِ فَإِنَّهُ لَا يَتَقَدَّمُ إلَيْهِ فِي هَدْمِهِ فَحَالُهُ كَحَالِ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ فِيهِ فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ شِرَائِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِتَرْكِهِ تَفْرِيغَ الطَّرِيقِ بَعْدَ مَا طُولِبَ بِهِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْحَائِطُ رَهْنًا فَتَقَدَّمَ إلَى الْمُرْتَهِنِ فِيهِ لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُرْتَهِنُ وَلَا الرَّاهِنُ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ هَدْمِهِ فَلَا يَصِحُّ التَّقَدُّمُ فِيهِ إلَيْهِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ إلَى الرَّاهِنِ فِيهِ وَإِنْ تَقَدَّمَ فِيهِ إلَى الرَّاهِنِ كَانَ ضَامِنًا لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ وَيَسْتَرِدَّ الْحَائِطَ فَهَدَمَهُ فَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ فِيهِ وَإِنْ تَقَدَّمَ إلَى السَّاكِنِ الدَّارَ فِي بَعْضِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ سَوَاءٌ كَانَ سَاكِنًا بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ النَّقْضِ وَإِنْ تَقَدَّمَ إلَى رَبِّ الدَّارِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ هَدْمِهِ فَإِذَا تَقَدَّمَ إلَى أَبِ الصَّبِيِّ أَوْ الْوَصِيِّ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَنْقُضْهُ حَتَّى سَقَطَ فَأَصَابَ شَيْئًا فَضَمَانُهُ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ يَقُومَانِ مَقَامَهُ وَيَمْلِكَانِ هَدْمَ الْحَائِطِ فَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِمَا فِيهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَالتَّقَدُّمِ إلَى الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ ثُمَّ هُمَا فِي تَرْكِ الْهَدْمِ يَعْمَلَانِ لِلصَّبِيِّ وَيَنْظُرَانِ لَهُ فَلِهَذَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ دُونَهُمَا.
وَإِذَا تَقَدَّمَ فِي الْحَائِطِ إلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ لِأَنَّ أَحَدَ الشُّرَكَاءِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ الْحَائِطِ كَمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ بِنَائِهِ وَلَمْ يُوجَدْ التَّقَدُّمُ إلَى الْبَاقِينَ فَلَا يَصِحُّ هَذَا الْإِشْهَادُ وَلَا يَكُونُ هُوَ مُتَعَدِّيًا فِي تَرْكِهِ التَّفْرِيغَ بَعْدَ هَذَا وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ فَنُضَمَّنُ هَذَا الَّذِي أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِحِصَّةِ نَصِيبِهِ مِمَّا أَصَابَ الْحَائِطَ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَنْ يَطْلُبَ شُرَكَاءَهُ لِيَجْتَمِعُوا عَلَى هَدْمِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى جَمَاعَتِهِ يَتَعَذَّرُ عَادَةً فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الْإِشْهَادُ عَلَى بَعْضِهِمْ فِي نَصِيبِهِ أَدَّى إلَى الضَّرَرِ وَالضَّرَرُ مَدْفُوعٌ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ وَالْحُرُّ وَالْمُكَاتَبُ فِي هَذَا الْإِشْهَادِ سَوَاءٌ لِأَنَّهُمْ فِي التَّطَرُّقِ فِي هَذَا الطَّرِيقِ سَوَاءٌ.
وَإِذَا تَقَدَّمَ إلَى الْعَبْدِ التَّاجِرِ فِي الْحَائِطِ فَأَصَابَ إنْسَانًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَى عَاقِلَةِ مَوْلَاهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ هَدْمِ الْحَائِطِ فَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ ثُمَّ الْحَائِطُ مِلْكُ الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِاسْتِخْلَاصِهِ لِنَفْسِهِ فَيُجْعَلُ فِي حُكْمِ الْجِنَايَةِ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الْمَالِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا إذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ الْعَبْدِ فَلِهَذَا كَانَ ضَمَانُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى وَإِنْ أَصَابَ مَالًا فَضَمَانُهُ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ يُبَاعُ فِيهِ وَيَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَوْلَى كَضَمَانِ النَّفْسِ وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَقُلْنَا: الْعَبْدُ بِالْتِزَامِ ضَمَانِ الْمَالِ كَالْحُرِّ فَإِنَّهُ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي اكْتِسَابِ سَبَبِ ذَلِكَ وَفِي الْتِزَامِ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ هُوَ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِأَنَّ فَكَّ الْحَجْرِ بِالْإِذْنِ لَمْ يَتَنَاوَلْ ذَلِكَ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى.
وَإِذَا وَضَعَ الرَّجُلُ عَلَى حَائِطِهِ شَيْئًا فَوَقَعَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَأَصَابَ إنْسَانًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ لِأَنَّهُ وَضَعَهُ عَلَى مِلْكِهِ فَهُوَ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِيمَا يُحْدِثُهُ فِي مِلْكِهِ وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الْحَائِطُ مَائِلًا أَوْ غَيْرَ مَائِلٍ لِأَنَّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَا يَكُونُ مَمْنُوعًا مِنْ وَضْعِ مَتَاعَهُ عَلَى مِلْكِهِ.
وَإِذَا تَقَدَّمَ إلَى رَجُلٍ فِي حَائِطٍ مِنْ دَارِهِ فِي يَدِهِ فَلَمْ يَهْدِمْهُ حَتَّى سَقَطَ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَأَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ لَهُ أَوْ قَالُوا: لَا نَدْرِي هِيَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّ الدَّارَ لَهُ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لَهُ بِاعْتِبَارِ الْيَدِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِاسْتِحْقَاقِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَهُوَ نَظِيرُ الْمُشْتَرِي لِلدَّارِ إذَا أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مَا فِي يَدِ الشَّفِيعِ مِلْكَهُ كَانَ عَلَى الشَّفِيعِ إثْبَاتُ مِلْكِهِ بِالْبَيِّنَةِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ بِالْبَيِّنَةِ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ الدَّارُ لَهُ وَالثَّانِي أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ فِي هَدْمِ الْحَائِطِ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمَقْتُولَ إنَّمَا مَاتَ بِسُقُوطِ الْحَائِطِ عَلَيْهِ فَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِالْبَيِّنَةِ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَإِنْ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ أَنَّ الدَّارَ لَهُ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُقِرِّ أَيْضًا فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْمُقِرُّ عَلَى الْغَيْرِ إذَا صَارَ مُكَذَّبًا فِي إقْرَارِهِ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ أَنْ نُضَمِّنَهُ الدِّيَةَ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالتَّعَدِّي وَهُوَ تَرْكُ هَدْمِ الْحَائِطِ بَعْدَ مَا تَمَكَّنَ مِنْهُ وَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَةِ جَنَاحٍ أَخْرَجَهُ فِي دَارِ فِي يَدِهِ إلَى الطَّرِيقِ فَوَقَعَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ فَقَالَتْ الْعَاقِلَةُ: لَيْسَتْ الدَّارُ لَهُ وَإِنَّمَا أَخْرَجَ الْجَنَاحَ بِأَمْرِ رَبِّ الدَّارِ وَأَقَرَّ ذُو الْيَدِ أَنَّ الدَّارَ لَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا الدِّيَةَ فِي مَالِهِ فَهَذَا مِثْلُهُ.
وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ عَلَى حَائِطٍ لَهُ مَائِلٌ أَوْ غَيْرِ مَائِلٍ سَقَطَ بِهِ الْحَائِطُ فَأَصَابَ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ إذَا كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ فِيهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا سِوَاهُ لِأَنَّهُ مَدْفُوعٌ بِالْحَائِطِ حِينَ سَقَطَ الْحَائِطُ وَسُقُوطُهُ عَلَى إنْسَانٍ بِمَنْزِلَةِ سُقُوطِ الْحَائِطِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ وَلَوْ كَانَ هُوَ سَقَطَ مِنْ الْحَائِطِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْقُطَ الْحَائِطُ فَقَتَلَ إنْسَانًا كَانَ هُوَ ضَامِنًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَدْفُوعٍ هُنَا بِالْحَائِطِ فَإِنَّ الْحَائِطَ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَسْقُطْ وَلَكِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّائِمِ انْقَلَبَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ يَكُونُ ضَامِنًا لَهُ وَلَوْ مَاتَ السَّاقِطُ بِطَرِيقِ الْأَسْفَلِ فَإِنْ كَانَ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي مَشْيِهِ فِي الطَّرِيقِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُتَحَرَّزَ عَنْ سُقُوطِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ وَاقِفًا فِي الطَّرِيقِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ نَائِمًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِدِيَةِ السَّاقِطِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْوُقُوفِ وَالْقُعُودِ وَالنَّوْمِ فَيَكُونُ ضَامِنًا لِمَا يَتْلَفُ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَسْفَلُ فِي مِلْكِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي الْوُقُوفِ فِي مِلْكِهِ وَعَلَى الْأَعْلَى ضَمَانُ الْأَسْفَلِ فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ لِأَنَّ الْأَعْلَى مُبَاشِرٌ بِقَتْلِ مَنْ سَقَطَ عَلَيْهِ وَفِي الْمُبَاشَرَةِ الْمِلْكُ وَغَيْرُ الْمِلْكِ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ إنْ تَعَقَّلَ فَسَقَطَ أَوْ نَامَ فَانْقَلَبَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ الْأَسْفَلَ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِثِقَلِهِ فَكَأَنَّهُ قَتَلَهُ بِيَدِهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ إلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ وَمِلْكُهُ وَغَيْرُ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ لَوْ سَقَطَ فِي بِئْرٍ احْتَفَرَهَا فِي مِلْكِهِ وَفِيهَا إنْسَانٌ فَقَتَلَ ذَلِكَ الْإِنْسَانَ كَانَ ضَامِنًا لِلْإِنْسَانِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَتَلَهُ- بِيَدِهِ وَإِنْ كَانَ الْبِئْرُ فِي الطَّرِيقِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى رَبِّ الْبِئْرِ فِيمَا أَصَابَ السَّاقِطَ وَالْمَسْقُوطَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَافِرَ لِلْبِئْرِ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّافِعِ لِمَنْ سَقَطَ فِي الْبِئْرِ وَالسَّاقِطُ بِمَنْزِلَةِ الْمَدْفُوعِ.
وَإِذَا شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ فِي حَائِطٍ مَائِلٍ شَاهِدَانِ فَأَصَابَ الْحَائِطُ أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ أَبَاهُ أَوْ عَبْدًا لَهُ أَوْ مُكَاتَبًا لَهُ وَلَا شَاهِدَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ غَيْرُهُمَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ هَذَا الَّذِي يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ أَوْ إلَى أَحَدٍ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ نَفْعًا لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ فِي الْهَدْمِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَشَهَادَةُ الشُّهُودِ عَلَيْهِ بِهَذَا السَّبَبِ كَشَهَادَتِهِمْ عَلَيْهِ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ بِسَبَبٍ آخَرَ.
وَلَوْ شَهِدَ عَبْدَانِ أَوْ صَبِيَّانِ أَوْ كَافِرَانِ ثُمَّ عَتَقَ الْعَبْدُ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ وَأَدْرَكَ الصَّبِيَّانِ ثُمَّ وَقَعَ الْحَائِطُ فَأَصَابَ إنْسَانًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ السُّقُوطُ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَا أَوْ يُسْلِمَا أَوْ يُدْرِكَا ثُمَّ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ وَالْإِشْهَادُ عِنْدَ ذَلِكَ مَحْضُ تَحَمُّلٍ فَيَكُونُ صَحِيحًا مِنْ هَؤُلَاءِ وَهُمْ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ عِنْدَ الْأَدَاءِ فَوَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ.
وَإِذَا شَهِدَ عَلَى اللَّقِيطِ فِي حَائِطِهِ ثُمَّ سَقَطَ فَقَتَلَ رَجُلًا فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ هَدْمِ حَائِطِهِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى سَقَطَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ جِنَايَتِهِ بِيَدِهِ فَتَكُونُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ إذَا لَمْ يُوَالِ أَحَدًا وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ يُسْلِمُ وَلَمْ يُوَالِ أَحَدًا فَهُوَ كَاللَّقِيطِ يَعْقِلُ عَنْهُمَا جِنَايَتَهُمَا بَيْتُ الْمَالِ وَمِيرَاثُهُمَا لِبَيْتِ الْمَالِ وَإِذَا مَالَ الْحَائِطُ عَلَى دَارِ قَوْمٍ فَأَشْهَدُوا عَلَيْهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ عَلَيْهِ الْحَائِطُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ بِمَيْلِ الْحَائِطِ شَغَلَ هَوَاءَ مِلْكِهِمْ فَتَكُونُ الْمُطَالَبَةُ بِالتَّفْرِيغِ إلَيْهِمْ فَإِذَا تَقَدَّمُوا إلَيْهِ أَوْ أَحَدُهُمْ صَحَّ التَّقَدُّمُ وَيَكُونُ هُوَ فِي تَرْكِهِ التَّفْرِيغَ بَعْدَ ذَلِكَ جَانِيًا وَكَذَلِكَ الْعُلْوُ إذَا وَهِيَ فَتَقَدَّمَ أَهْلُ السُّفْلِ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْعُلْوِ وَكَذَلِكَ الْحَائِطُ يَكُونُ أَعْلَاهُ لِرَجُلٍ وَأَسْفَلُهُ لِآخَرَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إذَا مَالَ الْحَائِطُ إلَى مِلْكِ إنْسَانٍ وَبَيْنَ مَا إذَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا التَّقَدُّمُ إلَيْهِ هَاهُنَا لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ أَشْغَلَ بِالْحَائِطِ هَوَاءَ مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَنَّ صَاحِبَ الْمِلْكِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ إلَيْهِ لَوْ أَخَّرَهُ أَيَّامًا أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ ذَلِكَ صَحَّ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ بِالْإِسْقَاطِ وَالتَّأْخِيرِ وَفِي الطَّرِيقِ لَوْ أَخَّرَهُ الَّذِي تَقَدَّمَ إلَيْهِ فِيهِ أَوْ أَبْرَأَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَنُوبُ عَنْ الْعَامَّةِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِحَقِّهِمْ لَا فِي إسْقَاطِ حَقِّهِمْ وَقَدْ صَحَّتْ الْمُطَالَبَةُ مِنْهُ فَلَا مُعْتَبَرَ بِإِسْقَاطِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا بِتَأْخِيرِهِ.
وَإِذَا مَالَ الْحَائِطُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ اثْنَيْنِ إلَى الطَّرِيقِ فَتَقَدَّمُوا فِيهِ إلَى أَحَدِهِمَا ثُمَّ سَقَطَ فَأَصَابَ إنْسَانًا فَإِنَّمَا يَضْمَنُ الَّذِي تُقُدِّمَ إلَيْهِ النِّصْفُ مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْحَائِطُ هُوَ الَّذِي أَصَابَهُ كُلَّهُ وَكَذَلِكَ الْعُلْوُ وَالسُّفْلُ إذَا وَهَيَا أَوْ مَالَا إلَى الطَّرِيقِ فَتُقُدِّمَ إلَى أَحَدِهِمَا فِيهِ وَهَذَا عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْوَرَثَةِ إذَا مَالَ حَائِطُ الرَّجُلِ بَعْضُهُ عَلَى الطَّرِيقِ وَبَعْضُهُ عَلَى دَارِ قَوْمٍ فَتَقَدَّمَ إلَيْهِ أَهْلُ الدَّارِ فِيهِ فَسَقَطَ مَا فِي الطَّرِيقِ مِنْهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ تَقَدَّمَ أَهْلُ الطَّرِيقِ إلَيْهِ فَسَقَطَ الْمَائِلُ إلَى الدَّارِ عَلَى أَهْلِ الدَّارِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ لِأَنَّهُ حَائِطٌ وَاحِدٌ فَإِذَا أَشْهَدَ عَلَى بَعْضِهِ فَقَدْ أَشْهَدَ عَلَى جَمِيعِهِ وَإِذَا كَانَ الْمُتَقَدِّمُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ فَتَقَدُّمُهُ إلَيْهِ صَحِيحٌ فِي جَمِيعِ الْحَائِطِ فِيمَا مَالَ إلَى الدَّارِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ الْمَالِكُ وَفِيمَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ فَإِذَا كَانَ الَّذِي تَقَدَّمَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الدَّارِ فَتَقَدُّمُهُ صَحِيحٌ فِيمَا مَالَ مِنْهُ إلَى الطَّرِيقِ فَإِذَا صَحَّ فِي بَعْضِهِ صَحَّ فِي كُلِّهِ وَإِذَا وَهَى بَعْضُ الْحَائِطِ وَمَا بَقِيَ مِنْهُ صَحِيحٌ غَيْرُ وَاهٍ فَتَقَدَّمَ إلَيْهِ فِيهِ فَسَقَطَ مَا وَهَى وَمَا لَمْ يَهِ فَقَتَلَ إنْسَانًا فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ لِأَنَّهُ حَائِطٌ وَاحِدٌ فَإِذَا وَهَى بَعْضُهُ وَهَى كُلُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَائِطًا طَوِيلًا بِحَيْثُ لَوْ وَهَى بَعْضُهُ لَمْ يَهِ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَتَفَرَّقَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ مَا أَصَابَ الْوَاهِي مِنْهُ وَلَا يَضْمَنُ مَا أَصَابَ الَّذِي لَمْ يَهِ مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حَائِطَيْنِ وَالتَّقَدُّمُ إلَيْهِ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ أَوْ الْوَاهِي دُونَ الْحَائِطِ الصَّحِيحِ فَإِذَا أَصَابَ الَّذِي لَمْ يَهِ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ بِهِ عَلَيْهِ ضَمَانٌ لِأَنَّهُ لَمْ تَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ بِالْهَدْمِ فِيهِ قَالَ: وَإِذَا كَانَ سُفْلُ الْحَائِطِ لِرَجُلٍ وَعُلْوُهُ لِآخَرَ وَقَدْ وَهَى فَتَقَدَّمَ فِيهِ إلَيْهِمَا ثُمَّ سَقَطَ الْعُلْوُ فَقَتَلَ إنْسَانًا فَالضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِ الْعُلْوِ لِأَنَّ الْعُلْوَ غَيْرُ مَدْفُوعٍ بِالسُّفْلِ وَلَكِنَّهُ سَاقِطٌ بِنَفْسِهِ وَقَدْ صَحَّ التَّقَدُّمُ فِيهِ إلَى صَاحِبِهِ فَيُجْعَلُ صَاحِبُهُ كَالْمُتْلِفِ لِمَا سَقَطَ عَلَيْهِ الْعُلْوُ قَالَ: وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ أُجَرَاءَ يَهْدِمُونَ لَهُ حَائِطًا فَقَتَلَ الْهَدْمُ مِنْ فِعْلِهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ وَالْكَفَّارَةُ دُونَ رَبِّ الدَّارِ لِأَنَّهُمْ مُبَاشِرُونَ إتْلَافَ مَنْ سَقَطَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَيْدِيهِمْ فِي حَالَةِ الْعَمَلِ.
وَإِذَا تَقَدَّمَ إلَى الْمُشْتَرِي لِلدَّارِ فِي حَائِطٍ مِنْهَا مَائِلٍ وَهُوَ فِي خِيَارِ الشِّرَاءِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ رَدَّ الدَّارَ بِالْخِيَارِ بَطَلَ الْإِشْهَادُ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْمِلْكَ بِفَسْخِ الْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ أَزَالَهُ بِالْبَيْعِ وَلَوْ اسْتَوْجَبَ الْبَيْعُ لَمْ يَبْطُلْ الْإِشْهَادُ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ إلَيْهِ حِينَ تَقَدَّمَ صَحِيحٌ إمَّا لِأَنَّهُ مَالِكٌ أَوْ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ هَدْمِ الْحَائِطِ وَقَدْ تَقَرَّرَ ذَلِكَ بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ وَلَوْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى الْبَائِعِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ الْبَائِعَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ هَدْمِ الْحَائِطِ بَعْدَ مَا أَوْجَبْنَا الْبَيْعَ فِيهِ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَتَقَدَّمَ إلَيْهِ فِيهِ فَإِنْ نَقَضَ الْبَيْعَ فَالْإِشْهَادُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ كَانَ مَالِكًا مُتَمَكِّنًا مِنْ نَقْضِ الْحَائِطِ وَقَدْ تَقَرَّرَ ذَلِكَ حِينَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَإِنْ أَوْجَبَهُ بَطَلَ الْإِشْهَادُ لِأَنَّهُ زَالَ الْحَائِطُ عَنْ مِلْكِهِ وَلَوْ تَقَدَّمَ إلَى الْمُشْتَرِي فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَمْ يَصِحَّ التَّقَدُّمُ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ هَدْمِ الْحَائِطِ يَوْمئِذٍ حَتَّى إنَّ الْبَائِعَ وَإِنْ أَوْجَبَ لَهُ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ ضَمَانٌ.
وَلَوْ تَقَدَّمَ إلَى رَجُلٍ فِي حَائِطٍ مَائِلٍ لَهُ عَلَيْهِ جَنَاحٌ شَاعَ قَدْ أَشْرَعهُ الَّذِي بَاعَ الدَّارَ فَسَقَطَ الْحَائِطُ وَالْجَنَاحُ فَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ هُوَ الَّذِي طَرَحَ الْجَنَاحَ كَانَ صَاحِبُ الْحَائِطِ ضَامِنًا لِمَا أَصَابَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْجَنَاحَ مَدْفُوعٌ هَاهُنَا وَالْحَائِطَ بِمَنْزِلَةِ الدَّافِعِ لَهُ وَقَدْ صَحَّ التَّقَدُّمُ فِي الْحَائِطِ إلَى صَاحِبِهِ وَلَوْ كَانَ الْجَنَاحُ هُوَ السَّاقِطُ وَحْدَهُ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ الَّذِي أَشَرَعَهُ لِأَنَّ الْبَائِعَ كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي وَضْعِ الْجَنَاحِ وَشَغْلِ هَوَاءِ الطَّرِيقِ بِهِ وَالْجَنَاحُ الْآنَ هُوَ السَّاقِطُ مَقْصُودًا فَكَانَ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهِ عَلَى الَّذِي وَضَعَ الْجَنَاحَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.